عنوان المقالة هذه توضح المضمون بكشل كافي.
لماذا لم أكتب "الشعب الأردني يتحرك ضد الوضع الإقتصادي المتردي"؟
المجتمع الأردني، كغيره من المجتمعات في كل دول العالم، مقسوم إلى طبقات. تشكل الطبقات الكادحة الأغلبية الساحقة في العالم، و هي أولى الطبقات المتضررة من سياسة "السوق" و السياسات الإقتصادية التي تتبعها أنظمة الحكم في أغلب الدول. هذه السياسة الليبرالية التي بدأت بشكل واضح في الأردن في نهاية الثمانينات هي المسبب الرئيسي لما تعانيه أغلبية شعبنا من حالة إقتصادية سيئة، و ما يصاحبه من ظواهر إجتماعية تهدد المجتمع بقدر ما تهدد النظام نفسه.
التحرك الحكومي الأخير، و تدخل الملك لوقف الإرتفاع المتواصل للأسعار، هو حل مؤقت للمشكلة التي تتكبدها بشكل مباشر الطبقات الفقيرة. لم تأتي هذه التحركات من الطبقة الوسطى (التي على وشك الزوال) و لا من الطبقة المرفهة. بل أتت من المدن و البلدات التي يشكل فيها متوسطي و متدنيّ الدخل الأغلبية. لم تأت تحركاتهم بشكل مركزي، و لا نتيجة وعي سياسي، و لانتيجة قيادة أحزاب شعبية، بل كرد فعل مباشر لما تعانيه و عانته خلال السنوات القليلة الماضية.
النظام يشعر بأنّ قاعدته الشعبية أصبحت على وشك الإنهيار إقتصادياً. فيقوم كل فترة بتحركات تدعم هذه الطبقات كي يحافظ على بنيتها التي خسرت معظم أشكال الدعم الحكومي الذي كان متمثلاً ب:
1. جهاز الدولة البيروقراطي (المدني بشكل خاص وليس العسكري) الضخم الذي تأثر بسياسة الخصخصة و الإتجاه إلى سياسة السوق الحاكمة.
2. الدعم الحكومي لأسعار كثير من أساسيات الحياة مثل الخبز و المحروقات و الأعلاف و ..
السياسة الحالية للنظام الذي يحاول قدر إمكانه لجم المشكلة بتقديم المساكن للطبقات الفقيرة في المدن المهمشة (للأسف هذا هو الواقع، و التركيز الواضح كان للعاصمة طوال الفترات الماضية) و بتأجيل سيطرة السوق المطلقة على الوضع الإقتصادي.
هذه السياسة تنجح مؤقتاً .. ليست بحل جذري.
الأطراف تتحرك، و المركز ما يزال يمتص الصدمات ..
بطريقة أوضح، المدن و البلدات (التي إعتبرتها سابقاً القاعدة الشعبية للنظام) هي التي تحركت، أمّا الثقل الإقتصادي-السياسي للأردن و المتمثل بالعاصمة عمّان صاحبة التركيز السكاني الأعلى، لم تتحرك، بعد.
السبب برأيي هو ذو بعد إقليمي بحت. الموروث الإجتماعي-الثقافي السلبي الذي تشربناه، يضع حداً لأيّ تحرك للأردنيين من غرب النهر. أؤكد هنا إنني لا أنطلق من أساس إقليمي، بل بالعكس أرى الأمور من منطلق طبقي بحت. و لكن لا نستطيع نفي الموروث الذي تشربناه كرواسب سلبية جداً إبّان أحداث أيلول الأسود السيئة الذكر.
فبغض النظر عن الأصول (فلسطيني، أردني، سوري، شركسي ..)، كلنا ننتمي إلى طبقات المجتمع الأردني، التي لا تفرق بين الناس حسب أصولهم، بل تتعامل معهم بناءاً على موقعهم الطبقي و حالتهم المادية و حسب موقعهم في بنية الإنتاج الموجودة.