في مقاله اليوم بجريدة الغد، يتحدث ياسر أبو هلالة عن شكل و هدف الأحزاب، و التي يبدو أنه لا يوافق ايّ منها الرأي من سياق حديثه. لست هنا في خضم الوقوف بوجهه أو معارضته و قمعه. بل أحترم وجهة نظره طالما أنّها نابعة من إحساس بوجود أخطاء و تشويش في واقعنا الأردني، على كل الأصعدة: ابتداءا من البنية التحتية (الإقتصادية) إلى البنية الفوقية (الإجتماعية) و إنتهاءاً بإنعكاسها السياسي. ما أريد الحديث عنه هنا، هو بعض "الأغلوطات" إن صح التعبير التي وقع فيها ياسر.
تناول ياسر الشكل التنظيمي الموجود في كثير من الأحزاب، ألا و هو المركزية الديمقراطية، والذي هو الشكل الأكثر إنتشاراً بين الأحزاب ذو المرجعية الماركسية-اللنينية. التنظيم يحدد بنيته حسب الظرف الذي يعيشه، و طالما إنّك استخدمت التعابير الماركسية في مقالك، فلا مانع أن نستخدمها أيضاً هنا. فكما هو معروف، الماركسية قامت على أسس فلسفية مادية تؤمن بأنّ الوعي يعكسه الواقع و ليس العكس. أي أنّ أفكارنا و مفاهيمنا عن الأشياء الموجودة في هذا العالم ما هي إلا إنعكاسة لما نراه و نسمعه و نجربه .. و بكلمات أخرى، الواقع الذي نعيشه. و باستخدام النهج الجدلي يمكننا تفسير سبب نشوء الفكرة التي تريد تغيير شيء ما في هذا العالم، فالفلسفة كما قال ماركس وظيفتها تغيير العالم و ليس مجرد تحليل ما يجري فيها.
عودة إلى التنظيم. فكما قال أحدهم، التنظيم كالمعجون، يتكيف و يتغير شكله حسب الظروف الموضوعية و الذاتية التي يعيش فيه. فبالتالي الشكل التنظيمي للحزب يتطور و يختلف بحسب الظروف و الحاجة و نضج أعضاء ذلك الحزب.
أفضل وصف للمركزية الديمقراطية وجدته عند تروتسكي بقوله:
ليست العلاقة المتبادلة بين الديمقراطية والمركزية علاقة ثابتة. الأمر كله متوقف على الظروف الملموسة، وعلى الوضع السياسي للبلد، وعلى قوة الحزب وخبرته، وعلى المستوى العام لأعضائه، وعلى ما كسبت القيادة من تأثير. قبل ندوة ما، عندما يكون المقصود تحديد خط سياسي للمرحلة القادمة، تٌرجح الديمقراطية دوما على المركزية. وعندما يصبح المشكل مشكل عمل سياسي فان المركزية تُخضِع الديمقراطية. وتستعيد الديمقراطية حقوقها عندما يشعر الحزب بالحاجة إلى تفحص نقدي لنشاطه. يتشكل التوازن بين الديمقراطية والمركزية في النضال الفعلي وُينتهك أحيانا، ثم ُيعاد إرساؤه من جديد. ويتجلى نضج كل عضو بالحزب بوجه خاص في كونه لا يطالب نظام الحزب بأكثر مما بوسعه أن يعطي. إن من يحدد موقفه إزاء الحزب من خلال ما تلقاه شخصيا من ضربات على الأنف إنما هو ثوري تافه. طبعا يجب محاربة كل ما ترتكب القيادة من أخطاء فردية ومن مظالم وما إلى ذلك. لكن يجب ألا يجري تقييم تلك "الأخطاء" و"المظالم" في حد ذاتها بل في علاقتها بتطور الحزب على المستوى القومي والعالمي. إن حكما صائبا وحس مراعاة التناسب أمران بالغي الأهمية في السياسة. إن من يجنح إلى جعل الحبة قبةً قد يضر بنفسه كما بالحزب.
النقطة الأخرى التي أدهشتني، هو وصف ياسر لأحزاب مثل البعث و السوري القومي الإجتماعي بأنها لينينية! هناك فرق يا صديقي بين حزب إحدى مراجعه الفكر الماركسي-اللينيني مثل الحزب الشيوعي الأردني، و بين حزب شكله التنظيمي هو المركزية الديمقراطية، مثل الكثير من الأحزاب اليسارية و القومية و حتى المحافظة.
أمّا بالنسبة لموقف المجتمع من الأحزاب على أساس طبقي. فإنه و بكل بساطة، الحزب الذي يمثل و يدافع عن مصالح طبقة ما من المجتمع، سوف تقف تلك الطبقة معه و تسانده. و لكن هذا لا ينفي أنّ هناك بعض الأحزاب في وقت ما مثلت مصالح أكثر من طبقة. و لكن هذا لم يستمر، بل كان لفترة ما. و كثيراً ما نرى هذا في مرحلة التحرر الوطني و التخلص من سلطة المستعمرين المباشرة و غير المباشرة. حيث يتنامى الشعور الوطني/القومي/الديني ضد فئة معينة. و لكنه مؤقت و لا ينفي الصراع الطبقي القائم.
هل هناك حزب ليبرالي في الأردن؟ أشك في ذلك و لسبب بسيط للغاية. لم يتطور لدينا بعد طبقة رأسمالية حقيقية تملك وسائل إنتاج. ما نراه في الأردن هي طبقة طفيلية تستفيد من النظام الموجود بالإضافة إلى وكلاء الرأسمال الأجنبي و أصحاب العقارات و أصحاب المصالح الخدمية. لا إنتاج حقيقي في الأردن.
النقطة الأخيرة التي تحدثت عنها، أوافقك الرأي. نحن بحاجة إلى قانون إنتخابات عادل و حقيقي يترك الناس تنتخب على أساس برامجي و ليس على أساس رجعي/عشائري/مناطقي.